
بولين فاضل
قد يكون الملحن سمير صفير هذه الفترة أقرب إلى الاعتكاف الفني منه إلى الغياب. فبعد أكثر من خمس وعشرين سنة من العطاء الفني، لا يبدو في مزاج تلحيني أو إبداعي وهو الذي يعد الفنان خلقا يجب أن تتوافر من حوله الأجواء الملائمة كي يبلغ الحالة الإبداعية المنشودة.
صفير المرهف الحس كما يصف نفسه، متأثر اليوم بما يشاهده على الشاشات من قتل وحروب وتدمير وتهجير، الأمر الذي أفقده أحاسيسه التلحينية المرهفة.
فالموسيقى عنده هي جمال فيما المشهد السائد في العالم العربي هو البشاعة في عينها، وإزاء ذلك يستذكر الملحن سمير صفير أغنيته «الناس أجناس» التي لامه كثيرون على كلامها، فقامت الدنيا ولم تقعد لأدائه في سياق الأغنية عبارات من نوع «في ناس عقلن كومة زبالة، في ناس لازم بالقدم تنداس...»، يستذكرها لأن من يمارسون القتل اليوم قليل عليهم هذا التوصيف على حد تعبيره.
هذه الأغنية التي لم يجرؤ كثيرون على غنائها مشترطين حذف أكثر من عبارة فيها، أداها ملحنها سمير صفير فوقعت كالصاعقة على الوسط الفني، فمن قصد يا ترى من الفنانين حين قال فيها: «في ناس عند أصل أغلى من الماس»؟ يجيب صفير: «70% من أهل هذا الوسط بلا أصل في الفن والأخلاق و70% من أعمال اليوم أرفض حتى سماعها كي لا أشوه أذني ومزاجي وثقافتي لأن صاحبها تافه وكاتبها وملحنها أتفه، رغم ذلك تبقى هناك أعمال جميلة مثل البوم وائل كفوري الأخير وألبوم نانسي عجرم وأغنيات لمطربين يشقون طريقهم في الفن».
ويرى صفير أن ما يسمعه من كلام غنائي من بعض الشعراء مؤسف ومحزن للغاية، معتبرا أنه ليس صحيحا أن الموجة السائدة تفرض ذلك بدليل أن المشتركين في برامج الهواة حتى الأطفال من بينهم يغنون لعمالقة الفن كأم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز، لافتا إلى أن ثمة أزمة كلمة ونص في الغناء اليوم وهذا واحد من الأسباب التي أدت إلى اعتكافه عن التلحين، منتقدا إحاطة الفنان نفسه بمدير أعمال من أهل البيت كشقيقه أو ابن عمه، معتبرا أن مدير الأعمال يجب أن يفهم في الفن أكثر بكثير من الفنان نفسه لا أن يكون ذاك الذي يحمل حقيبة الفنان ويرد على هاتفه وينجز له معاملات السفر في المطار.
وعن قساوة آرائه ونقده، يقول صفير: «قاس لأن الحقيقة قاسية والمشهد قاس وأنا لا أوارب حين أعمد إلى توصيف أغنية أو فنان، وليت الفنانين يردون مرة على نقدي بالمنطق والتقنية بدلا من اللف والدوران والدخول في متاهات لا معنى لها، كالقول إني أضع الأقراط في أذني أو أن شعري طويل وإلى ما هنالك، ثم ان من حقي بعد ثلاثين سنة من الخبرة أن أعطي رأيي في فنانين، كان حلم حياتهم ذات يوم أن يلتقوا بي ويأخذوا مني ألحانا، وإن جئت اليوم وأعطيت رأيي إذا بـ «فانز» الفنان أو الفنانة يحملون علي ويطالعونني بكلام من نوع: «أنت مين بتكون حتى تنتقد».
ورفض الملحن سمير صفير مقولة أنه لم يترك له أصحابا في الفن، معتبرا أن مشكلته هي مع كل ما هو خطأ وكل من هو على خطأ، وأضاف: «لا يمكن أن أجتمع فنيا مع كل من يفتقر إلى موهبة الفن حتى لو كان صديقا لي، من يعاني من خلل فني مستحيل أن أتواصل معه وهو يعلم ذلك، في الوقت نفسه سوء التفاهم قد يقع بيني وبين أي فنان أصيل، لكنه لا بد أن يحل لأن ما يجمعنا هو الفن وهذا ما حصل مثلا مع وائل كفوري وعاصي الحلاني، فأنا بقيت على سوء تفاهم مع عاصي مدة خمس سنوات قبل أن نعود ونتصالح، في النهاية لا دخل لي بحياة الفنان ومزاجه وتصرفاته وأخلاقه، وعندما يكون هناك فن صحيح تغفر بعض الخطايا».